ساو باولو – شهد قطاع المخصبات الزراعية خلال العقد الأخير نمواً من 3 % إلى 4 % في كل عام. ويتنبأ مختصون في هذا القطاع باستمرار النمو رغم الأزمة التي عصفت جراء انتشار وباء كورونا حول العالم. حيث صرح المدير التنفيذي للرابطة البرازيلية لمنتجي الأسمدة (AMA) السيد “كارلوس فلورينس” لوكالة الأنباء العربية البرازيلية قائلاً: “إن الانطباع السائد في القطاع الزراعي بشكل عام أن هذا القطاع سيتأثر قليلاً بفعل الأزمة. ومن المفترض أن يستمر الطلب على السماد، فالمزارع لديه رأس المال وهو يمتلك النقود. وعموماً يمكننا القول إن الزراعة في حالة جيدة منذ عدة سنوات”.
عادة تقوم الجمعية الوطنية البرازيلية للأسمدة (ANDA) بتجميع بيانات حول أنشطة القطاع ويتم إعلانها فقط بعد مضي أربعة أشهر من كل إغلاق، ولكن حسب تصريح المدير التنفيذي للجمعية السيد “دافيد روكيتي” فإن أداء القطاع طبيعي حتى اللحظة. حيث أكد في مقابلة له “استناداً إلى تنبؤات استشاريين معروفين، فإنه وفي حال تحقق تلك التقديرات والتوقعات الصادرة عنهم، فإن الإنتاج خلال عام 2020 سينمو بمعدل 1.5 % وحتى 3 % مقارنة بالعام السابق 2019”.
تستورد البرازيل ما يزيد عن 80% من احتياجاتها من الأسمدة. وفقاً للمعدل التراكمي لشهر أبريل حتى غاية يوم الإثنين (27) فإن وسطي الواردات اليومية من الأسمدة والمخصبات هو 107.42 ألف طن، أي بارتفاع نسبته 53.33 % مقارنة بأبريل 2019. حيث أشار المستشار “جوزيه فرانسيسكو دا كونيا” الذي يقدم الخدمات للشركات والجمعيات الزراعية قائلاً: “يمكنك الملاحظة بأن الوسطي اليومي من الواردات أكبر من قرينه في العام السابق، سواء كان بالكمية أم بالقيمة المقدرة بالدولار الأمريكي، وعلى هذا النسق فإن الواردات الإجمالية للشهر حتماً ستكون أعلى”. وعلى حد قوله فإنه رغم انخفاض وسطي الأسعار إلاً أنه يتوقع ارتفاع إجمالي قيمة الاستيرادات.
تعتبر الدول العربية أحد أهم مصدري الفوسفور والنيتروجين واليوريا إلى البرازيل. ومن مادة النيتروجين فقط يتعين على البرازيل استيراد ما نسبته 60% من الكمية المطلوبة و55% من الفوسفور. وأكد المستشار قائلاً: “إنها منتجات ذات أسعار عالمية. والدول العربية قوية في هذا المجال، فالمملكة العربية السعودية على سبيل المثال قوية جداً بتصدير الفوسفات، في حين تمدنا قطر بالكبريت واليوريا”.
إن البيانات الصادرة في بداية هذا العام، تعبر في الواقع عن فترة لا يكون فيها قطاع الأسمدة في أوج انتاجه. فعادة تسجل الأشهر الأولى أقل الكميات المسلمة إلى المزارعين، الذين يقومون الآن بحصاد ما يسمى “المحصول الصغير”. بينما يصل التسليم إلى ذروته بين شهري أغسطس ونوفمبر. فبالنسبة لـ “كونيا” إن حركة الاستيرادات تتزايد بشكل طبيعي مع مطلع النصف الثاني من العام، حيث إن كمية الواردات خلال الفترة من يناير وحتى أبريل تعبر فقط عن ثلث ما سيتم شراؤه كل عام.
ما لم يتضح بعد للقطاع هو كيف سيتم التعامل خلال الأشهر ذات المبيعات القوية. فلو أخذنا مثلاً محصول الصويا الذي يستهلك أكبر كمية من الأسمدة المستوردة بنسبة تصل إلى 40% فإن السياسة الدولية هي المسؤولة عن حالة عدم اليقين كما شرح كونيا. حيث قال: “ينتظرنا سيناريو غير واضح لغاية الآن. صادراتنا إلى الصين متزايدة. وفي حال قررت الصين تسوية الأوضاع مع الولايات المتحدة الأمريكية فستلجأ إلى الشراء منها وستستورد أقل من البرازيل. ولكني أرى المنتجون في هذا القطاع يشيرون إلى إمكانية استيراد كميات أكثر قليلاً من السماد. حيث إنهم تمكنوا من إغلاق صفقات بيع مستقبلية لمنتجاتهم”.
ولكن في الحقيقية فإن سيناريو الغيوم القاتمة يدور حول محاصيل أخرى كقصب السكر. حيث تستخدم المادة الأولية منه لإنتاج الكحول والذي من المتوقع أن يعاني كنتيجة لشح الطلب على الوقود، إضافة إلى الأسعار التنافسية المنخفضة. وكذلك سوق الذرة يعيش حالة عدم اليقين، وبحكم المساحات الشاسعة التي يتوزع عليها هذا المحصول فإنه من الممكن أن يعاني من تراكم الإنتاج في هذا السوق المتسم بأعلى مستويات التنافسية العالمية. وتلوح في الأفق شكوك أخرى حول الاستهلاك الداخلي للحوم، وحول الطلب العالمي على القطن. وهذا الأخير يتم تصديره بكميات كبيرة ليدخل في صناعة الأقمشة والألبسة، ومن المؤكد أنه سيتأثر بهبوط الطلب على الملابس.
بالنسبة للمستشار فإنه من السابق لأوانه التنبؤ بانخفاض في حجم الاستهلاك الكلي، وكل ما ينصح به حالياً أخذ الحذر. وقال كونيا “لقد أوصيت عملائي، أنه في حال ملائمة الأمر، وإمكانية إغلاق الصفقة فيفضل أن يقوموا بذلك حتى يوفروا هامشاً من الأمان. لأنه وعلى الرغم من احتمال انخفاض سعر الأسمدة، ولكن من الممكن أن تتعرض المراكز اللوجستية لبعض المشاكل. فإذا حصل وتم إخضاع السفن لحجر صحي؟ ما الفترة التي ستبقى عليها؟ لذلك عليهم القيام بالشراء إن كان ذلك مناسباً”.
خلال سيناريو النمو الحالي فإن الصناعة المحلية للأسمدة لن تهلل كثيراً. حيث إن الإنتاج البرازيلي قليل جداً مقارنة بالطلب الداخلي على الأسمدة، ونشهد مؤخراً موجة إغلاقات تدريجية للمصانع. تماماً كما حدث مع “أراوكاريا نيتروجينادوس” أحد المصانع التي كانت بحوزة “بيتروبراس” والمخصصة لإنتاج الأسمدة، تم إغلاقها.
“لا تمتلك الصناعة المحلية القدرة الكافية على الإنتاج. ففي الأعوام الخمسة عشرة الأخيرة تسارع نمو الطلب البرازيلي ليصل إلى 4% في السنة. ومن المعلوم أن إنشاء مشروع للأسمدة يستغرق عشر سنوات، بين الحصول على التصريح والقيام بدراسة جدوى للمشروع وما إلى ذلك. ليس الأمر أن الصناعة الوطنية ليست بحاجة، بل على العكس لقد قاموا بحل مصانع كانت قائمة في الأصل. “بيتروبراس” مثلاً كانت تقوم بإنتاج اليوريا في ثلاث مصانع تابعة لها. في “بارانا” و”باهيا” و”سيرجيب”، وجميعها أغلقت لأنها لم تكن مشاريع مجدية، وقديمة أيضاً” هذا ما قاله “فلورينس”، مذكراً بوجود بعض المبادرات لتأسيس بعض المصانع في الأمازون وفي جنوب شرق البلاد، ولكن جميعها لازالت في طور التطوير:
يشير “كونيا” إلى أن الصناعة البرازيلية تراجعت في الأشهر الأخيرة. حيث شرح “إن المشاريع التوسعية لا تزال متوقفة. ووضع هذا الكثير من العقبات في وجه الشركات، وصعب عليها المهمة في زيادة الإنتاج. حيث تم تأجيل تلك المشاريع ليتم تنفيذها في العام المقبل”.
لطالما أن البرازيليين يعتمدون على الاستيراد، فإنهم لا زالوا قلقين حيال أداء اللوجستية في الموانئ. يذكر أن الميناء البرازيلي الأساسي لدخول الأسمدة وهو “باراناغوا” وهو لا يزال محافظاً على تدفق البضائع إليه بالشكل الطبيعي، ومسؤول عن 50% إلى 60% من إجمالي الوارد إلى البلاد. وحتى الآن لم ترد أية أخبار عن وجود مشاكل في الشحن لدى الدول المصدرة، كالمملكة العربية السعودية وقطر أو حتى الصين أحد أكبر المصدرين لـ اليوريا.
بالنسبة لـ “فلورينس” إن التحديات التي لا تزال قائمة في وجه هذا القطاع هي قدرته على النمو للتمكن من مواكبة الكميات الكبيرة التي تنتجها الزراعة البرازيلية. “لقد عاصرت تلك الفترة التي كانت فيها البرازيل تستورد حتى الأغذية. فمنذ ثلاثون عاماً بدأت البرازيل بالنمو بطريقة مرعبة. في كل عام كنا نظن اننا وصلنا إلى الذروة، ثم نفاجئ بمستوى أعلى. ولكن بقدر ما تمتلك البرازيل من محاصيل ضخمة كمحصول الذرة على سبيل المثال إلاّ أن على الطاقة الإنتاجية أن تواكب ذلك. نعلم أن بعضها استثنائي، ولكن بالنسبة للمزارعين العاديين فإن لديهم الكثير ليطوروه بعد.
*ترجمة معين رياض العيّا