قيس شقير
تسابق طلبة الصف الأول بمدرسة ولدي مضر في مدينة برازيليا عاصمة البرازيل، إلى ارتداء الشماغ بعقاله (المرعز) وأخذ الصور الفردية والجماعية وهم يرتدونه، وخلفهم صور أعمدة جرش، وخزنة البتراء، متأثرين بما رأوا وما سمعوا عن الأردن في العرض الذي قدمناه أمامهم اليوم عن ذلك البلد البعيد عنهم، لكنه اقترب منهم في احتفالية المدرسة “بيوم الأمم”، فإذا بهم أمام عمرانٍ حديث في مدنٍ لها بريق حداثةٍ وأصالةٍ، وأمام البتراء ووادي رم، يجول خيالهم -وخيال الأطفال واسعٌ وصادق- في السيق على ظهر جملٍ يسير بهم في سبلٍ تقود حضارة شعبٍ تغوص في التاريخ آلافًا من السنين، فيلمسون بعضًا من أدواتٍ استعملها أهل وادي موسى في عيشهم البسيط القابض على جمر الطقس الحار صيفًا القارص شتاءً، لكنهم لا يكترثون، فهم أقوى من بيئتهم القاسية حينًا، لكنها ودودةً طيبة، تحبهم، ويحبونها في كل الأحيان.
ويمضي خيالهم، فيبيت بهم في خيمةٍ في بادية وادي رم، بعد أن راقبوا شمس الوادي تعانق بأشعتها الصخر الوردي حولهم، تودّعهم وما عرفت بأنهم حلفوا أغلظ الأيمان بسريرتهم أن يلحوّا على أبائهم وأمهاتهم أن يأتوا بهم إلى الأردن الذي رأوا لوحاتٍ منه، فحق الآن أن يعيشوا التجربة الجميلة، ويلمسوها بأيديهم الناعمة.
كان هذا يوم الإثنين 19/9/2022 إذ اختار مدرسو مضر الأردن احتفاءً بمناسبة “يوم الأممّ” الذي تحييه مدرستهم في مدينة برازيليا سنويًا. وبعد عرض فيديو قصيرٍ عن الأردن هالني وزوجتي، كمُ الاعجاب والإطراء الذي لا مجاملة فيه، فالأطفال لا يجاملون، وقلوبهم تُرى في ألسنتهم، فمن قائلٍ: ما أجمل بلدكم!!، وقائل: ما أجمل ملككم، ما هذه البساطة؟ وما هذا الجمال؟ وتوالت الأسئلة: ما اسم الملكة؟ فأجبنا، فلاحظوا بفرحٍ أن اسم جلالتها يعني بلغتهم البرتغالية “ملكة” “RAINHA” فحرف H والبرتغالية بلفظ ياءً، وتناقلوا ذلك بينهم. ووصل الأمر بمدير المدرسة البريطاني أن قال لي: “أحب أن أعيش وأعمل في الأردن”. وأما ذوو الأطفال وطاقم التدريس، فأصروا على تنظيم رحلة جماعية إلى الأردن في أقرب وقتٍ وهذا ما كان.
جميلٌ بلدنا ليس في عيون أطفال البرازيل فحسب، بل في عين الحقيقة والواقع. لا نقول ذلك لأننا نحب بلدنا وحسب، لا… نقوله لأن حق البلد علينا أن نحبه بما فيه، فبذلك يحلو ويكبر جميلًا في قلوبنا، ويظل جميلًا، يعكس جماله هذا عيون من تراه من بعيد، فكيف إن كان الرأئي طفلًا لا يكذب بصدق مشاعره، ونقاء سريرته، أهله؟!!
السفير قيس شقير، رئيس بعثة جامعة الدول العربية/ البرازيل