بقلم سعادة السفير قيس شقير
يستدعي الاحتفال بالمناسبات الوطنية – وخاصة يوم الاستقلال – استحضار التاريخ، فنسلط الضوء على الأحداث والظروف التي خلقت النسيج المتنوع للدول بشكلها الحالي، بما يضفي على المشهد الدولي الواقع الذي نعيشه اليوم.
و تحيي البرازيل يوم السابع من أيلول ذكرى استقلالها، فتأكدّ هُويتها الفريدة بين الأمم، وتذكرنا بقدرتها على مواجهة التحديات بسعة صدرٍ وانفتاحٍ على الآخر، يعززها شعبٌ واعٍ لحقوقه ولقيمه، ولأسس الديمقراطية والحرية.
فبعد حرب الاستقلال، بدأت الدولة الجديدة في إعادة تشكيل مؤسساتها الوطنية وبنائها في مواجهة المهمة الضخمة المتمثلة في سد الفجوات الجيوسياسية والاجتماعية والسياسية المتعددة، وهو واقع لا مفرّ منه في بلدٍ ممتد المساحة لما يزيد عن ثمانيةٍ ونصف المليون كيلومتر مربع، وسكانٍ يزيد عددهم عن مئتين وثلاثة عشر مليون نسمة، بثقافاتٍ متعددةٍ، وغنيةٍ، ومتنوعةٍ.
وفي هذا السياق، أصرّ جورجي أمادو الأديب البرازيلي على ضرورة أن يُصبغ على الأدب البرازيلي صبغته الوطنية البرازيلية الخالصة؛ فأثرّت البيئة الخضراء الداكنة، وظروف الطبيعة الصعبة في تشكيل شخصية كل “برازيليٍ وبرازيليةٍ” فاستوعبوا التراث الهائل لغاباتهم المطيرة الاستوائية، والشلالات، ونهر الأمازون الأعرض بين أنهار العالم لبناء “الجمهورية” بمؤسساتها الدستورية، ومكوناتها البشرية والثقافية.
واليوم، ونحن نحتفل بيوم الاستقلال مع “الأصدقاء البرازيليين”، نتذكر الالتزام بالسلام الذي أظهرته الحكومات البرازيلية المتعددة، والشعب البرازيلي على السواء على مدار تاريخها، ونحن ننظر – في العالم العربي – إلى هذا الدور، وذلك الحضور الملموس على الساحة الدولية بما يستحقه من تقديرٍ واحترامٍ.
ليس علينا ان نحيّي هذا الالتزام التاريخي بالسلام والتعايش المشترك فحسب، بل نرى أن هذه القيم يمكن أن تكون مصدر إلهام في مجال العلاقات الدولية. ولقد أكدت البرازيل باستمرار التزامها بسيادة القانون الدولي، واحترام قيم التسامح والحوار سبيلًا وحيدًا لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار في العالم أجمع.
وفي الواقع، يمكن أن يسهم السجل التاريخي السلمي للبرازيل بشكل كبير في تعزيز نهجٍ جديدٍ لمعالجة التحديات السياسية المعقدة التي تقف أمامنا، كما هي الحال الراهنة في الشرق الأوسط.
إن السياسة الخارجية للبرازيل هي -بلا شك – تجسيدٌ عمليٌ لحل النزاعات على أساس الاحترام الكامل للقانون الدولي ولشرعية الأمم المتحدة، يعزّزها اقتصادٌ ينمو باضطرادٍ، موجّهٌ بروح العدالة الاجتماعية نحو أهداف التنمية المستدامة.
ويحدث هذا البرازيل، فيما ما زلنا نشهد فيه في مناطق أخرى من العالم انماطًا لا تتغير في التعامل مع النزاعات، فتلجأ دولٌ إلى ازدواجية في المعايير الأخلاقية، وتتعصب لأيديولوجيات تثير الكراهية، فلا تفشل في حل الصراعات فحسب، بل وبإدارتها على حدٍ سواءٍ
نزجي التهنة في ذكرى استقلال البرازيل، وندعو الله تعالى أن يحفظ الروح الطيبة تلك للشعب البرازيلي، الملتزم ببناء دولةٍ راسخةٍ، ومجتمعٍ محبٍ للسلام والتفاهم المتبادل بروحٍ من البهجة يشيعها في الحياة، ولطفٍ يبادر به الآخرين.
هذه بطاقة تهنئةٍ لكل مواطنٍ من المئتين وثلاثة عشر مليون مواطنٍ يشكلون عدد سكان هذا البلد الصديق.
“ كل عامٍ وأنتم بخير…”
سعادة السفير قيس شقير، رئيس بعثة جامعة الدول العربية في البرازيل
إن الأفكار الواردة في المقالات هي مسؤولية المؤلفين