بقلم السفير أحمد التجاني محمد سوار
نشأت في السودان حضارات قديمة، حيث كان أكبرها حضارة كوش الأفرو سودانية خلال الفترة من 300 ق.م إلى 300 م، وعنها انبثقت الحضارات المسيحية في كرمة ومروي والحضارات الاسلامية في سنار ودارفور، وهذا يعود بالطبع للموقع الجيوسياسي للبلاد، حيث أن نهر النيل العظيم هو العامل الأهم لازدهار هذه الحضارات، فضلاً عن مواردها العديدة، وخاصة الذهب الذي ظل الهدف الرئيسي لجميع الطامحين والمدخل الرئيسي للمستعمر. حيث كان هدف محمد علي باشا هو غزو السودان عام 1821 للحصول على الذهب في جبال بني شنقول في منطقة النيل الأزرق، حيث كان الإنسان نفسه مورداً قيماً بسبب مهاراته ومواهبه.
سرعان ما أصبح السودان مركز جذب لتجارة شمال إفريقيا، ومن أفريقيا جنوب الصحراء شمالاً نحو مصر والحجاز. تحتوي السودان على مساحات وسهول واسعة في المنطقتين الوسطى والغربية، حيث كانت أراضٍ خصبة لتربية الماشية، خاصة وأن الأغلبية العظمى من السكان تبنت مهنة الراعي حتى وصل عدد رؤوس الماشية إلى أرقام قياسية تجاوزت 200 مليون رأس من الماشية التي تعتمد على المراعي الطبيعية، إضافة لامتلاك البلاد لظروف مناخية ساعدت الزراعة في البلاد. وكانت السلطات البريطانية التي استعمرت السودان قبل قرن ونصف قد أنشأت أهم مشروع زراعي لإنتاج القطن، بمساحة مليون فدان ونظام ري مبسط، فضلاً عن شبكة طرق وسكك حديدية لنقل القطن، حيث أدى كل هذا لخلق ثورة صناعية وعالمية ضخمة.
منذ الاكتشافات النفطية في أواخر سبعينيات القرن العشرين التي قامت بها الشركة الأمريكية Chevron في جنوب وغرب البلاد، وتأثير الولايات المتحدة والمنافسة مع الغرب مع الصين التي كانت تعمل بالفعل في إنتاج النفط وبنت أطول خط نقل بطول 1600كم بعد أن تمكن الائتلاف التجاري بين الصين وماليزيا وكندا والهند من تشغيل وإنتاج النفط. ازدادت الصراعات الداخلية في السودان بين جنوب السودان وشماله، ودفعت الجنوب إلى اختيار الانفصال عن الشمال في عام 2011 بعد اتفاقية السلام الموقعة في نفاشا، كينيا في عام 2005.
ومع ذلك، يمكن أن تساهم موارد السودان غير النفطية في وضعه الاقتصادي، لأن السودان أكبر بلد إفريقي من حيث الاراضي الصالحة للزراعة ومعترف به من قبل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الـ FAO باعتباره (سلة خبز العالم أجمع). من الممكن للسودان كذلك أن يكون حاضنة للاستثمارات الزراعية في المنطقة وذلك لتوفر المناخ الملائم لإنتاج معظم الحبوب وخاصة القمح والبذور الزيتية مدعومة بالإنتاج الحيواني. كما يمكن أن يمثل السودان إضافة جديدة في مجال الطاقة المتجددة من خلال انتاجه الزراعي الذي يمكن أن يكون قيمة مضافة لإنتاج الوقود الحيوي الذي يساهم في خفض الانبعاثات الحرارية وانتاج طاقة نظيفة في مجال الصناعات. كما يتمتع السودان بخبرة مهمة في انتاج السكر والايثانول من خلال تعاون جديد مع أصدقائه في البرازيل.
إن الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش الوطني في السودان بمثابة شعاع نور في نهاية نفق مظلم ووعد بدأ يتحقق، مما يجعلنا متفائلين بمستقبل مشرق لهذا البلد الذي عانى شعبه الكثير، إلا إن هذا الشعب كالذهب يصبح أكثر بريقاً وإشراقاً وصلابة بعد هذه التجارب والمحن.
إن مرحلة إعادة إعمار البنية التحتية والجسور والطرق السريعة والمصانع والقطارات والأسواق في البلاد تتطلب أعمالاً سريعة، وهنا ندعو المستثمرين البرازيليين لحجز أماكنهم واستخدام معرفتهم وخبرتهم وقدراتهم لدخول هذه السوق الواعدة. كما يأمل السودان الاستفادة من الخبرة البرازيلية في مجال التكنولوجيا الزراعية والانتاج الحيواني ونمو المسالخ وانتاج الحبوب.
كما يرى السودان أن تجربة البرازيل تتمتع بمزايا نسبية عالية، تتناسب مع خصائص الاقتصاد السوداني. فقد تم إزالة أهم العقبات المتعلقة بالحركة التجارية بعد أن أنهت الولايات المتحدة عقوباتها الجائرة ضد السودان وخاصة الحركة النقدية بين البنوك. ونأمل في تعزيز العلاقات بين البلدين في قطاعات أخرى في المستقبل.
سعادة السفير أحمد التجاني محمد سوار هو القائم باعمال سفارة السودان في برازيليا.
إن الأفكار الواردة في المقالات هي مسؤولية المؤلفين