ساو باولو – في زمن تتوجه فيه أنظار العالم أجمع نحو التقنيات الجديدة ومجالات استخدامها انتقلت دفة قيادة إحدى أكبر مؤسسات بحوث الأغذية في العالم، المعهد البرازيلي لبحوث الزراعة وتربية الحيوانات “إمبرابا” (Empraba)، إلى يد امرأة تحمل البصمة التقنية في حياتها المهنية وفي سيرتها.
تولت سيلفيا مازروا، الباحثة المهنية ومهندسة البرمجيات الحائزة على درجة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي، رئاسة “إمبرابا” وأصبحت بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ تأسيس المعهد في عام 1973.
ومع مرور بضعة أشهر على توليها منصبها كانت سيلفيا قد زارت بالفعل البلدان العربية والتمست الحاجة الماسّة للتعاون في مجال الأمن الغذائي، وهي تعمل مدركةً تمام الإدراك مدى أهمية الدور الذي يلعبه بلدها البرازيل في مجال الزراعة على الساحة العالمية.
وفي حين تندرج مشاريع الاستدامة على رأس أولويات إدارة المهندسة في الأشهر الأربعة المقبلة في “إمبرابا” ستضع سيلفيا أيضًا كل ما في جعبتها من خبرات متراكمة في مجال التكنولوجيا في خدمة هذه الإدارة، فهي تود إضافة إمكانية التتبع في الزراعة فضلًا عن الشمول الإنتاجي والرقمي لصغار المزارعين ومتوسطيهم في الريف البرازيلي.
وللمزيد من التفاصيل تحدثت سيلفيا عن هذه المسائل في مقابلة حصرية مع وكالة الأنباء العربية البرازيلية (ANBA).
المسار الوظيفي
بعد تحصيل علومها في كل من الجامعة البابوية الكاثوليكية (PUC) في كامبيناس وجامعة كامبيناس الحكومية (Unicamp) والمعهد الوطني لأبحاث الفضاء (INPE) بدأت سيلفيا مسارها الوظيفي في “إمبرابا” في عام 1989 منضمّةً بذلك إلى أول فريق من الباحثين عينته الشركة آنذاك.
وفي هذا السياق أفادت سيلفيا: “أعمل في ’إمبرابا‘ منذ 34 عامًا، فقد ورد في تفكيرهم منذ ذلك الوقت توظيف أشخاص في مجال العلوم الدقيقة والحوسبة والهندسة الكهربائية والرياضيات والإحصاء والفيزياء إلى جانب الأطباء البيطريين والمهندسين الزراعيين وفنيي تربية الحيوانات ليفكروا معًا في كيفية العمل بأسلوب متعدد التخصصات للمساهمة في حل المشكلات الزراعية. كانت [إمبرابا] واسعة البصيرة منذ ذلك الزمن آخذةً في الحسبان أنهم في المستقبل، أي في أيامنا الحالية، سيلزمهم هذا النوع من الباحثين المحترفين ليعملوا جنبًا إلى جنب مع المهندسين الزراعيين والأطباء البيطريين”.
وفي ذلك الوقت أنشأت “إمبرابا” وحدة “المعلوماتية في الزراعة وتربية الحيوانات” التي تُدعى اليوم وحدة “الزراعة الرقمية في إمبرابا” وهي تقع في كامبيناس، وعملت سيلفيا هناك طوال حياتها المهنية قبل أن تتولى الرئاسة في أيار/مايو وتنتقل إلى برازيليا، وتعليقًا على ذلك تقول: “لطالما عملت في مجال الحوسبة التطبيقية في الزراعة”.
ويجدر الذكر أنه بين عامَي 2015 و2022 شغلت سيلفيا منصب الرئيس العام لوحدة الزراعة الرقمية في “إمبرابا”، كما عملت قبل وقت قصير من توليها الرئاسة كباحثة مسؤولة عن مشروع يهدف إلى تعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية من قِبَل صغار المزارعين ومتوسطيهم في الريف البرازيلي.
رئاسة إمبرابا
أعربت سيلفيا مازروا عن تشرفها بالدعوة التي تلقتها لتولي منصب الرئاسة في “إمبرابا”، وهي تدرك أيضًا ضخامة المسؤولية التي أُلقيت على كاهلها في الذكرى الخمسين لتأسيس “إمبرابا”، وقالت إن الشركة “تأسست لضمان الأمن الغذائي في البرازيل لأننا كنا في ذلك الزمن [السبعينيات] نستورد الأغذية بمعدل 30 بالمئة”، وكان برنامج العمل يتضمن تطوير التقنيات وتكييف الزراعة مع مناخ البرازيل.
أما اليوم فاختلفت الموازين وأثبتت البرازيل نفسها كمنتِج ومصدّر كبير للأعذية، وتعتبر سيلفيا أن إضفاء المقاييس والمؤشرات على الاستدامة هو تحدٍّ قائم بحد ذاته، كما تعمل واضعةً نصب عينيها التحول في النظم الغذائية، أي نماذج الأنظمة الغذائية الجديدة التي ينصَبّ فيها اهتمام المستهلكين على التغذية والصحة ومصادر المواد الغذائية، لذلك تؤيد سيلفيا استخدام التتبع كوسيلة لإضفاء الشفافية على عملية الإنتاج.
كما يجدر الإشارة إلى أهمية مقاييس الاستدامة ومؤشراتها على المستوى العالمي، وفي هذا الصدد صرحت رئيسة معهد البحوث إنه “غالبًا ما تُطرَح التساؤلات حول جدية استدامة الزراعة البرازيلية. في هذه السنوات الخمسين توسعت مساحة قطاعنا الزراعي بنسبة 140 بالمئة، ففي بداية السبعينيات كان لدينا 25 مليون هكتار من المساحات المزروعة، أما اليوم فأصبح لدينا 65 مليون هكتار مزروع، أي بزيادة قدرها 40 مليون هكتار. كذلك نمت الإنتاجية بمعدل 580 بالمئة، إذن زاد الإنتاج في الهكتار الواحد باستخدام التكنولوجيا وهذا ما يميز قطاعنا الزراعي“.
وفضلًا عن الاستدامة وإمكانية التتبع فإن ثالث أولوية في إدارة سيلفيا هي تحقيق الشمول الاجتماعي والرقمي لصغار المنتجين الريفيين ومتوسطيهم، ما يساعد هذه المجموعة على تحسين دخلها وإدماج نموذج أعمال وتقليص عدم المساواة بين كبار المنتِجين من جهة وصغار المنتِجين ومتوسطيهم من جهة أخرى.
المهمة الدولية
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه بحلول عام 2050 سيصل تعداد سكان العالم إلى 9 مليارات نسمة، وأنه من المرتقب أن يرتفع الإنتاج العالمي للأغذية بمعدل 70 بالمئة، وتضيف سيلفيا إن “مسألة السلام على المحك لأن نقص الغذاء سيجلب الحروب، ومن المتوقع أن تنتج البرازيل وحدها ما لا يقل عن 40 بالمئة [من إجمالي الأغذية المنتَجة في جميع أنحاء العالم]”.
وأمام هذه المسؤولية الهائلة تجاه الأمن الغذائي أفادت رئيسة معهد البحوث إن الخرائط تظهر أن لدى البرازيل حوالي 160 مليون هكتار من المراعي، منها حوالي 40 مليون هكتار من المناطق المتدهورة الصالحة للزراعة، وتوضح قائلةً إنه “لذلك بدلًا من التوسع إلى أراضٍ جديدة لزيادة الإنتاج، من الممكن الاستفادة من هذه المناطق المتدهورة واستصلاحها”.
البلدان العربية
في أواخر شهر تموز/يوليو سافرت سيلفيا مازروا برفقة وزير الزراعة والثروة الحيوانية في البرازيل كارلوس فافارو إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن اليابان وكوريا الجنوبية، وعُقدت لقاءات في البلدين العربيين مع بعض السلطات والشركات الخاصة وصناديق الاستثمار، كما طُرح مشروع يتناول استصلاح المناطق المتدهورة.
وفي خلال زيارتها أدركت سيلفيا مدى أهمية الأمن الغذائي عند العرب، وقالت إن “الأمن الغذائي يُشكّل مصدر قلق لجميع الدول العربية، فهم يعتمدون اليوم بشكل كبير جدًا على الدول الأخرى في تأمين غذائهم، لذلك يسعون لإبرام هذه الشراكة مع البرازيل ويرون في ’إمبرابا‘ مرجعًا في الزراعة الاستوائية وشريكًا مهمًا يساعدهم في تطوير زراعاتهم”.
كما تناولت المناقشات مواضيع أخرى مثل تبادل الباحثين لتحسين الممارسات الزراعية؛ والأسمدة واعتماد الزراعة البرازيلية عليها؛ وتأثيرات التغيرات المناخية؛ وإدارة الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه والتنوع البيولوجي.
أما المناقشات على صعيد الحكومات فتناولت إمكانية إجراء التبادل في مجالَي الأمن الغذائي والبيئة، وقالت سيلفيا إن “المملكة العربية السعودية أبدت نوعًا من الاهتمام في التبادل في مجال إنتاج التمور، ونحن لدينا وحدة ’إمبرابا‘ المعنية بالمناخ شبه الجاف في بترولينا (في بيرنامبوكو) التي تتمتع بإقليم أحيائي مماثل ونُجري دراسات في هذه المنطقة على التمور، ومع أن وتيرتها الحالية أقل من ذي قبل لكن يمكننا إعادة تنشيطها، ويمكن أن يحصل تعاون فيما بيننا في مجال التحسين الوراثي، كما لمسنا طلبًا كبيرًا على إنتاج البرسيم الحجازي، ما سيشكل دافعًا إضافيًا مثيرًا للاهتمام للتبادل”.
كذلك سلطت سيلفيا الضوء على زيارتها للمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) الذي يقع في أبو ظبي في الإمارات وكانت “إمبرابا” قد عقدت شراكة مع المركز منذ عام 2020 تهدف من خلالها إلى تطوير التقنيات المتعلقة باستخدام المياه الغنية بالأملاح والتعميم المشترك لهذه التقنيات، وفي هذا الصدد قالت سيلفيا: “نود تعزيز هذه الشراكة وتبادل المعرفة”.
ترجمته من البرتغالية مريم موسى