الناصرة / سوريا – غادر فريق الصحفيين المؤلف من مهنيين من مختلف البلدان أتوا لزيارة البلاد تلبية لدعوة من وزارة السياحة السورية مدينة تدمر في وقت متأخر من يوم 30 آب/أغسطس باتجاه الناصرة، المدينة ذات الغالبية المسيحية والتي تقع وسط الجبال، على بعد 216 كم غربا من تدمر.
توقفت القافلة المؤلفة من حافلتين صغيرتين وسيارة فان وسيارة ركوب صغيرة في منتصف الليل حتى يتسنى لأعضاء الوفد تناول الطعام والشراب في محل تجاري بسيط لكن جيد التجهيز على جانب الطريق. أكل البعض شطائر الفلافل، والبعض الآخر بطاطا مقلية، بينما إكتفى الباقون بشرب الماء أو المشروبات الغازية أو البيرة.
عند الوصول إلى أطراف الناصرة، إنفصل الجمع حيث تقسيم تقسيم المهنيين الصحفيين إلى فنادق مختلفة. المنطقة مليئة بالطرقات المعوجة والوعرة تارة صاعدة وتارة هابطة على سفوح التلال، وهكذا أضاع سائق الحافلة الصغيرة التي تحمل فريق وكالة الأنباء البرازيلية العربية والصحفيين الأرجنتينيين الطريق الصحيح للفندق.
تعذر علينا العثور على فندق عمار، مكان الإقامة، وبدأت المجموعة التائهة تطوف الشوارع المظلمة في وقت متأخر من الليل، وتوقفنا طوال الوقت لطلب المعلومات. أثار الأمر هواجس وقلق السكان، حيث لا تزال سوريا بلداً يعيش في حالة صراع والقتال يدور في منطقة إدلب، على بعد ما يقارب 170 كم شمالاً.
بعد وقت طويل، ولحسن الحظ إلتقينا برجلين خلوقين وخدومين يستقلان دراجة نارية، مدا يد العون وقادا المجموعة إلى الفندق الكائن أعلى الجبل. كانت الساعة عندها قد قاربت الثالثة صباحاً.
تقع الناصرة في منطقة سياحية متميزة، مليئة بالفنادق التي توفر لنزلائها مناظر جميلة للجبال والوديان أدناها. مع الحرب، عانى قطاع السياحة الكثير ولم يكن في منتجعين زارهما فريق التقرير سوى عدد قليل من النزلاء، على الرغم من السماء الزرقاء ودون غيوم، والحرارة المرتفعة والمسابح التي تدعوك للقفز في مياهها.
القلعة
أحد المعالم السياحية الرئيسية التي تجذب الزوار إلى المنطقة هو قلعة الحصن أو حصن الفرسان (Crac des Chevaliers)، والمعنى باللغة العربية “قلعة المعقل”، وهي الموضوع الرئيسي للتقرير الثالث من السلسلة التي بدأت وكالة الأنباء البرازيلية العربية بنشرها هذا الأسبوع عن سوريا. كانت، قبل بدء الحرب في عام 2011، تــُـعدّ واحدة من أهم وأضخم قلاع وحصون القرون الوسطى المحفوظة والقائمة إلى الآن – وهي صورة نمطية للغاية لقلعة القرون الوسطى – وتعتبرها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) كموقع تراث عالمي، ومنذ عام 2013، تمت إضافتها إلى قائمة الخطر في المنظمة.
يعود تاريخها إلى زمن بعيد وتم بناؤها على عدة مراحل. وتـُـعرف بالقلعة الصليبية لأن ريموند الثاني، أمير طرابلس، قام بتسليمها إلى فرسان القديس يوحنا المعروفين بالإسبتارية أو فرسان المشفى والتي كانت طائفة من الرهبان المقاتلين والذين أعادوا بناء دفاعات جديدة للقلعة، وهي واحدة من القلاع العديدة التي بناها الصليبيون الأوروبيون في سوريا وفلسطين. سقطت القلعة بيد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في عام 1271، والذي أمر بتجديد ماتهدم من القلعة ووضعها في الخدمة .
على غرار صليبيي العصور الوسطى، تمركز المتمردون الجهاديون هناك وقاتلوا منها الجيش السوري. إستعادت القوات الحكومية السيطرة على القلعة في شهر آذار/مارس سنة 2014، بعد عامين من الاحتلال، وأصيبت القلعة بالأضرار نتيجة الاشتباكات. في 31 آب/أغسطس الماضي، عندما زار فريق وكالة (ANBA) المكان، كانت القاعات الأعمقالداخلية من القلعة مغلقة للزيارة، وكان بأحد الأبراج فتحة في سقفه والكثير من الركام على الأرض تحته. مع ذلك، إلتقينا ببعض السياح من لبنان وسوريا، كانوا يزورون المكان في نفس الوقت.
ومع كل الأحداث السابق ذكرها، لم يفقد هذا النصب التذكاري الأثري (الذي يظهر في الصورة أعلاه منظوراً إليه من قرية الحصن) جلالته وأظهر أن جدرانه لا تزال ثابتة على الرغم من تقدمها في العمر. أسواره وأبراجه تثير الإعجاب، وتهيمن من الأعلى على كل وادي النصارى. المشهد من هناك يحبس الأنفاس.
(تابع بعد مجموعة الصور)
إذا كانت القلعة قد تعرضت لأضرار، فإن القرية الواقعة عند سفح التل، وتدعى أيضاً بـ “الحصن” (في إشارة إلى الموقع ألثري)، والتي كان غالبية سكانها من المسلمين، أصبحت أنقاضاً بعد المعارك، وهي اليوم شبه مهجورة، لا يكاد يوجد فيها أحد.
تجدر الإشارة إلى أن الحرب في سوريا تسببت في هروب أكثر من 5.6 مليون شخص من البلاد منذ عام 2011، والذين لجؤوا بشكل رئيسي إلى البلدان المجاورة مثل لبنان والأردن والعراق وتركيا؛ إضافة إلى 6.6 مليون شخص نزحوا إلى مناطق أخرى من البلاد، وذلك إستناداً إلى بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (Acnur) للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ وما لا يقل عن 400 حالة وفاة، وفقاً لتقارير منظمة هيئة الأمم المتحدة.
مار جرجس (القديس جاورجيوس)
كما يوجد في نفس المنطقة دير مار جرجس (الحميراء)، للطائفة المسيحية الأرثوذكسية. تم تأسيسه بين القرنين الرابع والسادس، ويمكن رؤية آثار هذه الفترة في الطابق تحت أرضي للدير. تقع الكنيسة القديمة للدير في الطابق الأرضي وعلى الأغلب تعود إلى عهد الصليبيين، وفقاً لمعلومات بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ومقرها دمشق. وتعود المباني الأكثر حداثة في الدير إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بما في ذلك كنيسة أخرى. يضم المجمع أيضاً مدرسة. ويُـعتبر مار جرجس القديس الأكثر شعبية بين المسيحيين في الشرق الأوسط.
(تابع بعد مجموعة الصور)
كما قمنا في نفس اليوم بزيارة أحد الشوارع التجارية في مدينة الناصرة، لانستطيع أن نصنفها كإحدى الأسواق المزدهرة، حيث تفتقر إلى حراك شعبي وتنويع مجموعة المنتجات. تجدر الإشارة إلى أن ما لفت إنتباهنا كان متجر الأزياء للشباب (XO) – صُنع في سوريا. حيث وجدنا تشكيلات من قمصان التي شيرت مطبوع عليها عبارات بالعربية، منمقة وعلى غاية الجمال.
في صباح اليوم التالي، كان من المقرر أن تغادر مجموعة الصحفيين الناصرة متوجهة إلى حلب، أكبر مدن البلاد، لكن ألغيت الرحلة بسبب وجود بعض المخاطر حفظاً على سلامة الصحفيين، مع ورود أنباء عن تفجير في المنطقة. توجهنا إذن إلى مدينة اللاذقية، وهي مدينة ساحلية على البحر الأبيض المتوسط، ولكن هذه القصة سوف تتابعونها في التقرير التالي من السلسلة حول سوريا، الذي سيُنشر يوم السبت (14).
* لبى فريق وكالة الأنباء البرازيلية العربية دعوة من وزارة السياحة في سوريا والتي تكفلت مشكورة بنفقات الإقامة.
* ترجمة جورج فائز خوري