*بقلم روبيرتو خطلاب
الفيجوادا عبارة عن طبق فاصولياء برازيلي،و يقال في البرازيل تعبير (إن الفيجوادا برازيلية) تعبيراً عن هوية و ذاكرة و ثقافة الشعب البرازيلي متمثل في قدر فخاري بشكله المميز و محتواه اللذيذ .الطبق شائع بين جميع الطبقات الاجتماعية و يعتبر ايقونة بين الأطباق التقليدية البرازيلية.و في الجانب الآخر في الشرق العربي هناك طبق قديم من الفول او الفاصولياء المطهوة باسم اليخنة ،فيجوادا عربية إن صح التعبير ،كذلك شائعة بين جميع الطبقات الاجتماعية.الفكرة في كلا الطبقين واحدة ،جمع الأصدقاء و العائلة حول طبق محبب للجميع.
و من المتعارف عليه في البرازيل و تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل ،أن الفيجوادا بدأت في المزارع التي كان يعمل فيها العبيد القادمون من القارة الأفريقية ،حيث كانوا يطهون الفاصوليا السوداء (باللاتينية: Phaseolus vulgaris) مع ما يتركه لهم المالكون من بقايا ذبائح الخنزير ،و هذه الحكاية اصبحت تراثاً يدل على الاندماج الثقافي الافريقي البرازيلي , و ذلك كنوع من التعاطف مع العبيد الذين كانوا يحصلون على الفتات.
اليخنة في الشرق
الشرق هو مهد الحضارة و بداية فن الطبخ ومن المهم أن نفهم نشأة الفيجوادا المحلية في هذا السياق. تم العثور على قاموس مسماري ثنائي اللغة سومري – أكادي يرجع تاريخه إلى حوالي 1800 قبل الميلاد مع العديد من الوصفات بما في ذلك اللحوم والبقوليات مثل الفول المطبوخ في اناء من الطين و مطهو ببطئ. يذكر الكتاب المقدس (الكتاب الثاني من صموئيل 17:28) ، الذي كتب 6000 سنة قبل المسيح ، اليخنة كغذاء منشط. اليخنة العربية عبارة عن مرقة أو يخنة الفاصولياء مع لحم الخروف من نوع العواس ، سلالة نشأت في الصحراء العربية السورية ، وهي ذات مرقة كثيفة و دسمة جدا.
واحدة من أوائل المخطوطات العربية ، من القرن الثامن أتت من بغداد في العراق ، وهي كتاب المطبخ المهدي وآخر من القرن العاشر هو كتاب الطبخ الوراق. إنها أقدم مخطوطات المطبخ العربي. مع القوافل البدوية ، وصلت اليخنة إلى أجزاء أخرى من شبه الجزيرة العربية ، والبحر الأبيض المتوسط.
انتشار اليخنة العربية
في القرن الثامن ،فتح العرب المسلمون شبه الجزيرة الأيبيرية وأدخلوا الثقافات والعادات والمنتجات و الأطباق العربية مثل الفاصوليا البيضاء والأرز. على يد نساء عربيات وصلت إلى أوروبا عدة وصفات عربية ، مثل مرق الفاصولياء مع قطع لحم الغنم. ثم ظهرت في أوروبا ، والتي لا تزال تُصنع من الفاصوليا حتى اليوم. ومن الأمثلة على اليخنة ، في البرتغال ؛ فابادا ، في إسبانيا ؛ كاسوليه في فرنسا ؛ و كاسولا في إيطاليا. والأوروبيون استبدلوا لحم الضأن بلحم الخنزير الذي لم يأكله العرب المسلمون الذين حرم الله عليهم لحم الخنزير.
في القرن الخامس عشر ، وصل كريستوف كولومبوس إلى الأمريكتين ووجد نباتًا بقوليًا جديداً لم يكن متعارف عليه في العالم القديم ، وهو الفاصولياء البنية و السوداء ، التي تم نقلها إلى أوروبا ، وبالتالي ازاحة الفاصوليا البيضاء عن العرش وتحويل الطبق إلى يخنة الفاصولياء السوداء مع اللحم.
الوصول الى البرازيل
في القرن السادس عشر ، عبرت وصفة الحساء المحيط الأطلسي مع المستعمرين البرتغاليين ووصلت إلى البرازيل ، وهذه المرة على أيدي النساء البرتغاليات كيخنة الفاصوليا البيضاء و لحم الخنزير.
لاحظ البرتغاليون النظام الغذائي للسكان الأصليين واكتشفوا نوعًا آخر من الفاصوليا في البرازيل ، الفاصولياء السوداء في موطنها الأصلي أمريكا الجنوبية. قام السكان الأصليون بطهي الفاصولياء السوداء ثم طحنها في مدقة خشبية مع الفلفل والأعشاب ، وإضافة الماء وتثخين المرق بدقيق المنيهوت(الكاسبا،البفرة،مانديوكا)، وتشكيل مهروس الفاصوليا أو( بيراو). كما لاحظ البرتغاليون أن الأفارقة في البرازيل أكلوا البيراو الأصلي وأضافوا زيت النخيل ، التقليدي في إفريقيا ، والتوابل الأفريقية الأخرى.
وبذلك ، أعاد البرتغاليون صنع حساء الفاصوليا السوداء ، مضيفين دقيق المنيهوت والتوابل الهندية الحمراء والأفريقية. وجلبوا الأرز إلى البرازيل ، الذي جلبه العرب بهذا الإسم ، وأصبح يُنطق بالبرتغالية أروز “arroz”. و في البرازيل قبل وصول البرتغاليين ، كانت هناك حبوب شبيهة بالأرز ، والتي أطلق عليها السكان الأصليين من شعب (توبي) اسم أباتي-أووبي ، أي الذرة مع قشرها أو ذرة الماء.
وهكذا ، وصلت اليخنة إلى مفترق طرق من اختلاط الأجيال ، والتأثير العرقي والثقافي العربي – البرتغالي – البرازيلي – الأفريقي – ومنها ولدت نسخة أخرى من عدة نسخ من وصفة اليخنة، واحدة مع الفاصوليا السوداء في البرازيل.
الفيجوادا برازيلية
وصلت اليخنة التي غادرت الشرق عبر أوروبا إلى البرازيل ، وتكيفت مع الفاصوليا السوداء من أمريكا الجنوبية ، وأصبح يخنة الفاصوليا السوداء ذات سماكة و قوام مع قطع لحم الخنزير و النقانق ، مع إضافة دقيق الميهوت الخشن و يسمى (فاروفا). و مع الإبداع البرازيلي أصبح الأسم فيجوادا ،فيجاو(فاصولياء) مع ميستورادا (مخلوط أو مدمج) أصبح فيجو-ادا ،أي يخنة الفاصولياء السوداء مع قطع لحم الخنزير و ما يرافقها من ارز و دقيق المنيهوب و السلق المقطع .
هذا الاحتفال بأن الفيجوادا برازيلية بدأ من قبل النخبة في الشمال الشرقي البرازيل ، وتم نشره في القرن التاسع عشر و صاعدًا ، وفقًا لطبعة 3 آذار 1827 من جريدة ( Jornal Diario de Pernambuco) ، كان من الإعلانات الأولى الفيجوادا برازيلية لـمطعم Locanda) da Águia D’Ouro) -{تعالوا يوم الخميس لدينا الطبق البرازيلي الممتاز فيجواد. أما في ريو دي جانيرو ، كان أحد الإعلانات الأولى في مجلة ( Jornal de Commercio )، في طبعة 5 نيسان 1849 ، بعنوان: الجميلة فيجواد البرازيلية.
اليخنة العربية في البرازيل والفيجودا مع لحم الخاروف العويس في الوطن العربي
و من طريق آخر ، وهو المهاجرين العرب منذ القرن الثامن عشر ، وصلت الى البرازيل للمرة الثانية يخنة الفاصوليا البيضاء الأصلية ، مع لحم الضأن والأرز ، على أيدي نساء مهاجرات عربيات أيضاً ، واليوم أصبح من الشائع العثور عليه مرقة الفاصوليا البيضاء في البرازيل مع لحم الخاروف أو العجل .
في العالم العربي و خصوصاً في لبنان ، ابتكر مصطلح المجتمع البرازيليبناني (وهو مصطلح جديد يدل على المواطن ثنائي الجنسية لبناني و برازيلي) ، أيضًا من خلال أيدي نساء برازيليبانيات ، نوعًا جديدًا وهو الفيجوادا بالفاصوليا السوداء المزروعة في لبنان ، مع لحم الخاروف والنقانق و الفاروفا أو السميد (لا توجد حتى الآن مزارع الكسافا في لبنان) مع البيض المقلي واللوز والملح.
أصبح الفيجوادا طبقًا هجينًا ، شرقيًا وأوروبيًا وأميركيًا وأفريقيًا. كل شخص يصنع فيجوادا بأسلوبه الخاص ، كما قال الشاعر البرازيلي فينيسيوس دي مورايس: فيجوادا على طريقتي .
* روبرتو خطلاب، ولد في مارينجغا في ولاية پارانا ، البرازيل. باحث وكاتب ، يقيم حالياً في بيروت ، لبنان.
الترجمة العربية : إلياس هزيم
الآراء الواردة في المقالات هي من مسؤولية المؤلفين.