*بقلم السفير قيس شقير
تحظى الكرة البرازيلية بأفضلية لدى مشجعي كرة القدم عند جلِّ، إن لم يكن كل الشعوب العربية. فمنذ أيام لاعبهم الأكثر شهرةٍ “بيليه”، والبرازيل على رأس قائمة المنتخبات المفضلة عربيًا بالعموم.
وما من شكٍ بأن تفوق البرازيل كرويًا مسلّمٌ به عالميًا، وليس ذلك السبب فحسب. فمن قال أن كرة القدم هي رياضةٌ لا أكثر؟ هي أكثر من هذا، فكثيرًا ما تختلط مشاعرنا نحو فريقٍ أو منتخبٍ تعاطفًا، أو عداءً لأسبابٍ لا تخص الرياضة، أو الكرة بشيء. فكم مرةٍ شجعنا فريقًا لأنه يمثل بلدًا ناشئًا في حقل الكرة أو غيره، أمام فريق يمثل دولةً ملأها غرور القوة بمفهومها المتسع لما يتجاوز ملاعب الكرة، وبطولاتها؟
وكم مرةٍ توحدت شعوبٌ ضد منتخب كرةٍ لموقف بلاده من قضايانا، كقضية القدس مثلًا؟ أو لموقف فيه عنصريةٌ عرقيةٌ أو دينيةٌ؟ وكم مرّةٍ تذكرنا ونحن نشاهد إحدى مباريات كأس العالم، دور الدولة هذه أو تلك، فيما حل بعالمنا العربي عبر تاريخه من مآس استعمارٍ، أو حروبٍ ظالمةٍ شُنت علينا؟
نقول هذا، ونذكر البرازيل ونتذكر صداقتنا التاريخية معها. فالبرازيل تشبهنا، إذ لم تكن يومًا دولة مستعمِرةً( بكسر الميم)، بل مثلنا مستعمَرةً (بفتح الميم). وأما شعبها فدافئ دفء طقس حوض المتوسط، وحَسنُ المعشر، قريبٌ من الآخرين، ومنا، رغم بعد المسافات. ولعل أبلغ مثالٍ على القرب الوجداني هذا تدفق أخوةٌ لنا من لبنان، وسوريا، وفلسطين، ودول المغرب العربي إلى البرازيل عبر عقودٍ قاطعين محيطاتٍ ليستقروا فيه مواطنين فاعلين، متأثرين، ومؤثرين، نجح كلٌ منهم في أن يسطر قصة نجاحٍ عنوانها الجد والاجتهاد، والعصامية التي لاقت ترحاب شعبٍ يحب الآخر، ويقبله.
فالقضية إذن، أكبر من كرةٍ يتناقلها لاعبون أمام حشود مشجعين، هي أكبر، وأعمق، هي وشائج عاطفةٍ نداريها أحيانًا، لتظهر فجأةً، دون ما سببٍ، لتنفجر حين يسجل “نيمار” أو “كاسيميرو” هدفًا في مرمى خصمه.
لذلك… نفرح لفرح البرازيليين، ونرجو معهم، أن تصل بهم طريق المونديال، إلى محطة الانتصار الأخيرة.
السفير قيس شقير هو رئيس بعثة جامعة الدول العربية في البرازيل.
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن رأي الكاتب.