*بقلم مارسيلو فريشو
السياحة، على الرغم من أنها تجلب المتعة و الترفيه وتعتبر نشاطًا اقتصاديًا، إلا أنها وقبل كلّ شيء، أداةٌ فعّالة لتعزيز العلاقات الثقافية والدبلوماسية بين الشعوب و الدول. وهي أيضًا جسرٌ يسهم في تحقيق التكامل والفهم بين الرؤى المتنوعة للعالم. وعلى صعيد العالم الإسلامي، فقد انعكس التمكين الاقتصادي للشعوب المسلمة، خاصة خلال العقدين الأخيرين، في ازدياد عدد الأفراد الذين يعتنقون الإسلام ويخوضون رحلاتهم حول العالم، سواء لأغراض الأعمال أو الترفيه. تترجم هذه الحركة إلى ما يعرف بـ “السياحة الحلال”، والتي شغلت مكانًا بارزًا وجذبت انتباه الوكالات الرئيسية الدولية الرائدة في ترويج السياحة.
إنَّ مصطلح “حلال” باللغة العربية يعني “مشروع” أو “مسموح به”، ويشير إلى كل ما يتوافق مع مبادئ الشريعة، أي القانون الإسلامي الذي يشمل تعاليم الكتاب المقدس للإسلام، القرآن. وعلى هذا، تهدف السياحة الحلال إلى تقديم تجربة سياحية تحترم خصوصيات الثقافة الإسلامية، بدءًا من توفير الأطعمة التي تُنتج وفقًا لمبادئ الحلال، وصولاً إلى احترام الممارسات الدينية، مثل تحديد اتجاه القبلة نحو مكة المكرمة في أوقات الصلاة.
وفي السياق البرازيلي، نحن في الوكالة البرازيلية للترويج الدولي للسياحة (Embratur)، نعمل على تبني هذا النهج الشامل في وجهاتنا السياحية، مظهرين عبر ذلك التزام بلدنا باحترام واستضافة التنوع الثقافي والديني، وتعزيز صورتنا أمام العالم كبلد متسامح وشمولي. إنّ هدفنا هو تقديم تجربة سياحية عالية الجودة للمسافرين المسلمين، ولتحقيق ذلك، تعمل الوكالة البرازيلية للترويج الدولي للسياحة بتنسيقٍ وثيق مع الغرفة التجارية العربية البرازيلية.
وكما يعلم البعض، تعمل هذه الهيئة [الغرفة التجارية العربية البرازيلية] في مجال الخدمات والمنتجات الحلال، وتعتبر مرجعًا لنا ولجميع سلسلة خدمات السياحة البرازيلية. حيث أنَّ الترويج للسياحة الحلال يتطلب جهداً مشتركًا من قطاعات متعددة، بدءًا من صناعة الأغذية وصولاً إلى سلسلة خدمات السياحة. علمًا بأنّه من بين هذه القطّاعات، تقف مصانع اللحوم البرازيلية في الصدارة، حيث تمتلك أكثر من 90% من هذه المنشآت في بلدنا شهادة الحلال. أمّا على صعيد السياحة فحاليًا، تحتلّ ولايتي ساو باولو وفوز دو إغواسو المرتبة الأولى من حيث احتضانهما لأكبر الجاليات المسلمة في البرازيل، مّما يجعلهما وجهتين رئيسيتين لدينا نظرًا لاعتمادهما استراتيجيات مخصصة للسياحة الحلال.
إحدى المهام التي تقودها اليوم الوكالة البرازيلية للترويج الدولي للسياحة هي نشر مفهوم الحلال في جميع أنحاء البلاد، حيث تسعى إلى جذب أكبر عدد من الجهات العامة والخاصة و تضمينهم في هذه العملية. كما إلى تدريب الفرق، وتقييم وتكييف العمليات الإنتاجية، وإنشاء وتكييف الجولات والتجهيزات السياحية، وهذه هي فقط بعض الجوانب التي يجب مراعاتها.
علاوةً على ذلك، لا بدّ من التنويه إلى أنَّ الوكالة مفتوحة للحوار مع الدول ذات الأغلبية المسلمة، أو التي تحتوي في هيكلها الاجتماعي على مشاركة هامة من المسلمين، وذلك من أجل إنشاء برامج واستثمارات جديدة متعلقة بالسياحة الحلال. فضلًا عن أنّنا كجزء من حكومة الرئيس لولا، لدينا أيضًا مهمة سياسية للمساهمة في تعزيز العلاقات الثقافية والاقتصادية بين البرازيل وهذه الدول من خلال السياحة.
نحن ندرك أن الاستثمار في السياحة الحلال من شأنه أن يحقق نتائج إيجابية كبيرة للبرازيل. ويظهر هذا نضجنا وكفاءتنا في استقبال السياح، كما يعزز صورة البلد كوجهة تحترم التنوع الثقافي والديني و ترحّب به. ومن جهة أخرى، يتيح ذلك لنا الوصول إلى سوق ذات قوة شرائية عالية، وقادرة على جذب تدفقات كبيرة من الزوّار.
ووفقًا للمعلومات التي أبرزتها الغرفة التجارية العربية البرازيلية، يُقدر عدد السكان المسلمين في العالم بحوالي 1.9 مليار شخص، ممثلين بذلك 24.5% من إجمالي السكان. وعليه فإذا ما تم اعتبار الدول الإسلامية كأمة واحدة، لكانت ثالث أكبر أمّة في العالم. ولاشكّ بأنّ البرازيل اليوم مستعدّة بأذرع مفتوحة دائمًا للترحيب بهذه الفئة المتزايدة باستمرار في أعدادها.
*مارسيلو فريشو: رئيس الوكالة البرازيلية للترويج الدولي للسياحة (Embratur).
ترجمته من البرتغالية: يارا عثمان
جميع الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن رأي الكاتب.