ساو باولو – يُعْرَف عن البرازيل بأنها البلد الأكثر انتاجاً للبرتقال في العالم، وأكبر المصدرين لعصير البرتقال المركز حيث تعتبر مسؤولة عن 75% من الصادرات إلى السوق العالمية. ولكي تتمكن من تلبية الاستهلاك المحلي، تستورد البرازيل دائماً هذه الفاكهة وبشكل خاص من اسبانيا البلد المتخصص بانتاج الحمضيات. وفي السنوات الأخيرة، كانت إحدى البلدان الأخرى الموردة للبرتقال تقاتل كي تصبح أكبر مُصَدِر للبرتقال إلى السوق البرازيلية وهي جمهورية مصر العربية. وفعلاً في العام 2024 أصبحت مصر الدولة الأكثر تصديراً إلى البرازيل، حيث بلغت مبيعاتها 16.1 مليون دولار أمريكي، بزيادة وقدرها 113٪ مقارنة بالعام 2023.
تجدر الإشارة إلى أن استيراد البرتقال قد ازداد خلال العامين المنصرمين. ففي العام 2024 أصبح الحجم عملياً ضعف ما كان عليه، حيث ارتفع من من 26.9 ألف طن في العام 2023 إلى 51.2 ألف طن في العام 2024، وهو ارتفاع كبير بنسبة 90.3%. هذا هو السبب الرئيسي في انخفاض الانتاج الوطني، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على هذا المنتج عالمياً. والجدير بالذكر أن الإنتاج التقديري لحصاد الموسم 2024/2025 هو 228 مليون صندوق. أما في الحصاد السابق فقد كان 307 مليون صندوق.
الحقيقة إن انخفاض الانتاج يعود لأمرين وهما تفشي مرض التخضير وهو مرض تسببه بكتريا في المزارع وبشكل خاص في ولاية ساو باولو، والعوامل المناخية وبشكل رئيسي الحرارة الشديدة الارتفاع.
يقول غيليرمي رودريغزمهندس مهندس الأغذية ومشرف المشاريع في Fundecitrus: “إن مشكلتنا الرئيسية اليوم أكبر من مرض التخضير وهي الحراة الشديدة الارتفاع”. إن صندوق الدفاع عن الحمضيات وهو مؤسسة خاصة أسست في العام 1977 بهدف تعزيز انتاج مجمع الحمضيات في ولاية ساو باولو والذي يطلق عليه اليوم “حزام الحمضيات” والذي يضم كذلك بعض المدن من جنوب ولاية ميناس جيرايس. وأوضح غيليرمي قائلاً: “إن مرض التخضير يضرب زراعتنا منذ العام 2004 ويتسبب بأضرار عديدة كالجفاف في الاغصان وتساقط الفاكهة. ولمكافحة هذا المرض، استخدمنا استراتيجيات مختلفة على مدى هذه السنوات. أما بالنسبة للحرارة الشديدة فتؤثر بشكل رئيسي على ثبات الفاكهة مما يقلل من كمياتها، فبينما يضر مرض التخضير بصحة النبات، تؤثر الحرارة مباشرة على الانتاج.
إن صندوق Fundecitrus يعمل منذ عقدين من الزمن على مكافحة مرض التخضير. إن هذا المرض المعروف كذلك باسم Huanglongbing وHLB، يهاجم كل أنواع الحمضيات ولا يوجد علاج للنباتات أو الاشجار المصابة. ومن أجل تعزيز العمل، أطلق الصندوق في شهر شباط/فبراير حملة توعية بعنوان: ” لكي يكون معدل الإصابة صفراً، يجب أن تكون السيطرة عشرة على عشر”، مع التذكير أن السلاح الرئيسي من بين أمور أخرى ضد هذا المرض هو الوقاية والوقاية الجماعية بالذات. ويوضح غيليرمي قائلاً: “اليوم، 44% من المزارع في ولاية ساو باولو مصابة بالتخضير، وتتصدر مدينة ليميرا مدن الولاية باحتوائها على العدد الأكبر لحالات المرض بنسبة 78%. وحتى إن قام أحد المزراعين بالوقاية ولم يقم جاره بنفس الشيء فقد يتضرر الجميع. مكافحة هذا المرض لايمكن أن تنجح إلا من خلال الإدارة الاقليمية”.
من الناحية العملية، ما يحدث هو أن الأشجار الصغيرة المصابة لا تنتج كما تعاني البالغة منها في الإنتاج من سقوط كبير للثمار الغير الناضجة التي تذبل بمرور الوقت. كانت هذه البكتيريا قد نشأت في جنوب شرق آسيا، وقد قضى مرض التخضير على الفاكهة التي تنمو في فلوريدا في الولايات المتحدة. ولكن إذا كانت البكتيريا عدواً معروفاً بالفعل وقد تمت محاربته، فإن الحرارة الشديدة هي خطر حديث في السنوات الأخيرة، وتتمثل إحدى استراتيجيات التعامل معها في الوقت الحالي في زيادة الري.
في الجهة الأخرى فرص للمستوردين
كما هو الحال في أي ميزان تجاري، فإن المشكلة بالنسبة للبعض تصبح فرصة للآخرين. تستورد البرازيل البرتقال من مصر منذ العام 2019 ، وذلك بعد أن تمت الموافقة على بروتوكولات الصحة النباتية، وبعد التوقيع على اتفاقية تجارة حرة بين مصرومجموعة ميركوسور في العام 2017، والتي تنص على إلغاء ضريبة الاستيراد التي تدفعها الدول الأوروبية، ومع قيام المصريين بتحسين المنتج، تمكنوا أيضاً من الدخول إلى السوق البرازيلية وبشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة.
بدأت شركة 52W التجارية من ولاية ساو باولو باستيراد البرتقال المصري إلى البرازيل في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2024. وكانت الشركة قد تأسست قبل ثلاث سنوات، حيث استوردت في البداية التفاح البرتغالي والتفاح والكمثرى الأرجنتيني، ومن ثم اكتشفت فرصة استيراد البرتقال من مصر بطريقة غريبة. ويقول غوستافو فافيرو أحد الشركاء بهذا الخصوص: “ذهبنا إلى إسبانيا لفترة من الوقت للتعرف على البرتقال واليوسفي والليمون. وعندما كنا هناك، كان هناك إضراب عام من قبل منتجي البرتقال الإسبان ضد منتجات من دول أخرى، كانت تصل بنفس الجودة وبسعر أقل، خاصة تلك القادمة من مصر. هنا كانت لحظة التعرف علي المنتج المصري”،
أدرك هو وشركاؤه حجم الإمكانات عندما رأوا أن هناك موردين غير قادرين على دخول السوق البرازيلية. وسرعان ما وجدوا شريكاً تجارياً في القاهرة، شركة دريم إنترناشيونال، وبدأوا معاً عملية جلب البرتقال المائدة (تباع هنا باسم باهيا) وفالنسيا. ويوضح المستورد الذي يستعد للقيام بعملية عكسية وهي تصدير المنتجات البرازيلية إلى هذا البلد العربي قائلاً: “إنها ليست عملية سهلة، يتم تقييم كل شيء اللون والعيار ومستوى الحموضة والحلاوة، ويجب أن يكون الشريك اللوجستي عالي الجودة لأن كل شيء يجب أن يحدث في غضون 30 يوماً والنقل يجب أن يتم بدرجة حرارة عند أربع درجات من الحرارة”.
بالنسبة لغوستافو، فإن التواجد الأكبر للمنتج المصري يعود بشكل أكبر إلى استبدال المنتج الإسباني به وهو بنفس الجودة وبسعر أفضل، إضافة للقضايا المتعلقة بالإنتاج البرازيلي. يقول غوستافو: “البرازيل منتج ممتاز للحمضيات، ولكن من الطبيعي بالنسبة لجميع أنواع الفاكهة أن يتم استكمالها في غير موسمها بالفواكه المستوردة، بحيث يكون هناك إمداد على مدار السنة للمستهلك”. مما يجعل البرازيل ، مع أو بدون مشاكل الإنتاج سوقاً استهلاكية رائعة في كل الفصول.
سلسلة البرتقال
حتى ورغم كل المصاعب، فإن سلسلة البرتقال البرازيلية لها أهمية كبرى. فإضافة لكونها لا تزال أكبر منتج في العالم وتمثل 75٪ من المبيعات العالمية لعصير البرتقال، تولد السلسلة بأكملها حوالي 200 ألف وظيفة عمل مباشرة وغير مباشرة، مما يضيف ما يصل إلى 189 مليون دولار أمريكي من الضرائب. وفي هذا السيناريو، لا تزال ساو باولو بارزة حيث تشكل 90٪ من حجم صادرات البلاد من البرتقال. ووفقاً لبيانات الرابطة الوطنية لمصدري عصير الحمضيات (CitrusBR). فقد تم في ساو باولو وحدها توفير 45112 وظيفة في موسم حصاد 2023/2024، بزيادة وقدرها 10٪ مقارنة بموسم الحصاد السابق.
بالنسبة لأمانة الزراعة والإمداد بولاية ساو باولو، على الرغم من التخضير والمناخ غير المواتي، لا تزال هناك العديد من الأسباب للاحتفال بتقدم هذا القطاع. فإضافة إلى توفير فرص العمل، كان برتقال مدينة ساو باولو مسؤولاً عن 8.2٪ من إجمالي ما تم تصديره من قبل ولاية ساو باولو ككل العام الماضي، بقيمة إجمالية قدرها 1.15 مليار دولار أمريكي الميزان التجاري للولاية العام الماضي. ووفقاً لمسح أجراه معهد الاقتصاد الزراعي(IEA-APTA) ، وهو وكالة مرتبطة بالأمانة، فإن البرتقال هو أحد المنتجات الرئيسية الخمسة في قطاع الأعمال الزراعية في ساو باولو في الميزان التجاري.
اقرأ كذلك
إعفاء ضريبي في البرازيل يشمل منتجات عربية
تقرير لديبورا روبين بالتعاون مع وكالة الأنباء العربية البرازيلية.