ساو باولو – توفي لأسباب طبيعية يوم الأحد الماضي (24) في القاهرة الأستاذ المتقاعد لدى جامعة ساو باولو (USP) ونائب الرئيس السابق للعلاقات الدولية في الغرفة التجارية العربية البرازيلية، الأستاذ حلمي محمد ابراهيم نصر، عن عمر يناهز الـ 97 سنة. وقد تم تأكيد خبر وفاة الأستاذ حلمي من قبل نجله الدكتور محمد نصر، المقيم في العاصمة المصرية.
ولد الأستاذ حلمي نصر في المنصورة، الواقعة في منطقة دلتا النيل، على مسافة 130 كم شمال القاهرة، بتاريخ 22 مارس 1922. التحق بالأزهر حيث بدأ دراسة اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية. ثم تابع دراسته في الأدب العربي في جامعة القاهرة.
في عام 1952 سافر الأستاذ حلمي إلى باريس، حيث درس الأدب الفرنسي والترجمة في جامعة السوربون. وتابع دراساته العليا في علم النفس وعلم الإجتماع. وبعد عودته إلى القاهرة مارس التدريس في كلية الآداب في جامعة عين شمس.
لقد كان الأستاذ حلمي نصر رائد تعليم اللغة العربية على المستوى الجامعي في البرازيل، حيث قدم إلى البلاد سنة 1962 للتدريس في كلية الفلسفة والآداب والعلوم الإنسانية. جاء لمدة عام واحد، لكنه بقي في البرازيل مدة 53 عاماً.
ترك العديد من الأعمال في المجال التعليمية والأكاديمية والترجمة، أبرزها ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية، حيث قام مجمع الملك فهد في المدينة المنورة بطباعته سنة 2005، وتم توزيعه في البرازيل من قبل الغرفة العربية البرازيلية.
وبمناسبة إطلاق ترجمة معاني القرآن الكريم، خلال حفل أقيم في برازيليا، أعرب الأستاذ حلمي عن أمله بأن يسهم إنجازه في تعزيز التقارب ما بين الشعوب، فقال: “إن قراءة القرآن الكريم هي وسيلة للإستمتاع بالحياة وبعبادة الله. وبالتالي أدعوكم جميعاً لقراءة القرآن الكريم والإستمتاع بمعانيه. وليس الهدف من هذا العمل تحويل الناس إلى مسلمين، ولكن لفت نظرهم لوجود دين قد يساعدهم في حياتهم. ربما في المستقبل نتعمق في دراسة القرآن هنا في البرازيل”.
قبل ذلك وفي العام نفسه، أصدر الأستاذ حلمي القاموس العربي – البرتغالي، بمناسبة انعقاد قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، في العاصمة البرازيلية. وأكد آنذاك على أهمية هذا المشروع الذي سيخدم الجالية العربية في البرازيل.
ونظراً لإسهامه في نشر الإسلام في البرازيل دُعي الأستاذ حلمي في عام 2007 ليكون عضواً في المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين التابع لرابطة العالم الإسلامي، التي يقع مقرها في مكة المكرمة.
في أواخر السبعينيات من القرن الماضي تم إصدار كتاب “دروس في اللغة العربية لغير الناطقين بها”، مصحوباً بتسجيلات الدروس باللغة العربية بصوته، وباللغة البرتغالية بصوت المذيع البرازيلي المشهور “سيد موريرا”، مذيع نشرة الأخبار الرئيسية في محطة غلوبو للتلفزة آنذاك. وقد أعيد إصدار الكتاب سنة 2008، مصحوباً هذه المرة بأقراص مضغوطة (CDs). وخلال حفل إطلاق الكتاب قال الأستاذ حلمي: “يهدف الكتاب لمساعدة القراء في مواجهة الأمور واستخدام الكلمات الضرورية في الحياة اليومية. فبالنسبة للمسافر، على سبيل المثال، هناك مفردات لتبادل الحديث، وإلقاء التحية، والقيام بالبيع والشراء”.
ومن اللغة البرتغالية إلى العربية قام الأستاذ حلمي بترجمة كتاب “عالم جديد في الأوساط الإستوائية” لعالم الإجتماع البرازيلي “جيلبرتو فريري”، لينقل للقارئ العربي نبذة عن تاريخ تكوين المجتمع البرازيلي.
كان الأستاذ حلمي من أكبر المروجين للثقافة العربية والإسلامية خارج العالم الأكاديمي. وفي السبعينيات من القرن الماضي، انخرط للعمل في الغرفة العربية البرازيلية. في البداية كعضو في لجنة مكلفة بجمع الأموال لبناء مبنى المستشفى السوري اللبناني.
ولم يبتعد عن الغرفة بعد ذلك. حيث شغل عضوية مجلس الإدارة في إدارات متتالية. وفي عام 1992، لعب الأستاذ حلمي دوراً هاماً لنيل إعتراف جامعة الدول العربية وإتحاد الغرف العربية بالغرفة التجارية العربية البرازيلية.
ثم حصل الأستاذ حلمي على الجنسية البرازيلية وتزوج من السيدة “نيدا غطاس”، أستاذة اللغة الإسبانية في جامعة ساو باولو. توفيت سنة 2008. وفي سنة 2015 قرر الإبتعاد عن الحياة العامة والعودة إلى القاهرة لدفء الأهل والأصدقاء. واعترف آنذاك لوكالة الأنباء العربية البرازيلية (انبا) أنه “بدأ يشعر بالوحدة“. وتابع قائلاً: “لقد أتممت مهمتي. وسأنهي حياتي بسلام”.
لقد كان الأستاذ حلمي نصر شخصية محبوبة ومحترمة من قبل أبناء الجالية العربية والإسلامية في البرازيل، وعلى الأخص في مدينة ساو باولو، وكذلك في الوسط الأكاديمي. كان يتمتع بكاريزما مميزة، ولم تكن الإبتسامة تفارق وجهه. وكان دائما مستعد لرواية القصص الطويلة والإستماع لها.
ردود الفعل
علق رئيس الغرفة “روبنز جنون” على وفاة الأستاذ حلمي قائلاً: “الأستاذ حلمي شخصية لا يمكن الإستغناء عنها. أفتخر وأعتز بصداقته وبالعمل معه خلال أعوام مديدة. كما أنه مبعث فخر للغرفة أن تضم إدارتها إنساناً بهذا المستوى من المعرفة، خلال فترة طويلة من تاريخها”.
وأضاف قائلاً: “لقد كان صديقاً ودوداً ومهنياً مخلصاً وإنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان سامية. لقد تعلمت الكثير منه، وفي كثير من الأحيان أحاول الإستلهام من حكمته عندما أكون بأمس الحاجة للجرأة والتروي في الوقت نفسه. سوف نستفقده كثيراً”.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء العربية البرازيلية صرح الدكتور محمد نصر، أستاذ جراحة القلب في معهد القلب القومي، في القاهرة، أن والده كان من المدافعين عن الفكر العقلاني الديكارتى وكان يقول أنه أساس التقدم ولا تعارض بينه وبين التدين. وختم قائلاً: “نطلب له الرحمة وأن تنام روحه بسلام”.
وأعرب عميد مجلس السفراء العرب في البرازيل وسفير دولة فلسطين، ابراهيم الزبن، عن حزنه العميق لوفاة الأستاذ حلمي. وقال: “أود باسم مجلس السفراء العرب في البرازيل أن أعرب عن خالص تعازينا وشعورنا بالحزن لفقدان هذا العلم العربي الذي كان حاضراً في البرازيل في المجال الأكاديمي والاجتماعي والديني والذي شغل بمنتهى الجد منصب نائب رئيس غرفة التجارة العربية البرازيلية”.
وتذكر السفير الزبن الشخصية الدافئة الودودة التي كان يتسم بها الأستاذ حلمي، فقال: “لقد تعرفت على الأستاذ حلمي، رحمة الله عليه. وأتذكر ابتسامته التي لم تكن تفارقه. لقد كان إنساناً متفائلاً ومتفانياً في خدمة المجتمع. نطلب من الله الرحمة لروحه ونرفع لذويه وأصدقائه تعازينا الحارة. لقد كان لديه الكثير من الأصدقاء الذين احتضنوه كفرد من أفراد أسرهم”.
وتابع قائلاً: “نود أن ننقل أحر التعازي أيضاً لمجلس إدارة الغرفة التجارية العربية البرازيلية، لأننا بفقداننا للأستاذ حلمي نفقد أحد أهم بناة الدعائم التي ترتكز عليها العلاقات العربية البرازيلية. ونفقد أيضاً شخصاً قدم خدمات جلى ستبقى إرثا راسخاً في ذكريات الأجيال. وأخص بالذكر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة البرتغالية وإنجازه لهذا العمل الجبار الذي يستحق منا كل الإحترام والتقدير”.
وإضافة إلى ابنه، ترك الأستاذ حلمي حفيدتين وخمسة أولاد أحفاد وشقيق.
*ترجمة صالح حسن