ساو باولو – ستتأذى التجارة الخارجية البرازيلية والعالمية من جراء الأزمة الناتجة عن وباء كورونا، ولكن بعض القطاعات ستكون أقل تأثراً من غيرها. هذه هي وجهة نظر رئيس جمعية التجارة الخارجية البرازيلية (AEB) خوسيه أوغوستو دي كاسترو، التي أعلن عنها في لقاء أجراه مع “أنبا” يوم الأربعاء الحالي (18). وقال بأنه يؤمن بأن البضائع الغذائية العالمية ستتضرر بنسب أقل من البضائع الأخرى.
“نظرياً نرى أن الأغذية ستتضرر بنسب متدنية وذلك بسبب حاجتنا الأساسية لها. فالناس لا تتوقف عن استهلاك الأغذية حتى في حالة الأزمات. ولكنها حتماً ستتأثر ولو بنسب ضئيلة” يؤكد كاسترو. ستكون الخدمات اللوجستية إحدى العقبات التي ستجمح تقدم التجارة المحلية في مسيرتها المعتادة. ” أحد القطاعات الذي من المفترض أن يعمل بكفاءة عالية، سنراه يتأثر كثيراً بأنشطة أخرى”، أكد كاسترو مجدداً بشأن الصعوبات في أداء الموانئ حول العالم.
تعتبر اللحوم والصويا والذرة والسكر، الركائز الأساسية التي تعتمد عليها الصادرات البرازيلية إلى الدول العربية. ويتوضع الحديد الخام على رأس هذه القائمة. يؤكد كاسترو ” تُرسل هذه المواد على متن سفينة، تخرج السفينة من البرازيل مليئة بالبضائع وتصل وجهتها على نفس الشكل. نظرياً، تٌعتبر هذه العملية سهلة. فباستثناء اللحوم لا تحتاج هذه المواد لسفينة مبردة، وعلى الرغم من ذلك فإن السفينة المُحمّلة باللحوم يمكنها التوقف في ميناء ما، حيث يوجد منافذ كهربائية كافية لتبريد الحاويات”.
وعلى حد قول رئيس (AEB) فإن أحد الصعوبات الحالية في الموانئ الصينية، هي عدم احتوائها على منافذ كهربائية لتبريد منتجات مثل اللحوم. وفي هذا الحالة تضطر إلى إبقاء اللحوم داخل السفينة، لتبقى باردة في حاوياتها، ما يترتب عليه رسوم إضافية للبقاء داخل الميناء. ” يوجد حالياً من يدفع هذه الرسوم”، أكّد. ولكن بالنظر إلى طبيعة الشحنات، فإن السيد كاسترو يرى بأن التجارة البرازيلية مع الدول العربية لن تتضرر كثيراً كما هو الحال مع الصين والولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال.
يواصل قطاع الأعمال الزراعية، وهو القطاع الداعم لتجارة الأغذية، أعماله بشكل طبيعي في البرازيل، ولكن هذا يعتمد أيضاً على إمكانية أداء وسائل التوزيع لعملها، لتتمكن من إيصال البضائع لسوق المشتريين في الخارج، حيث هناك يتواجد الطلب الأكبر. ويذكر جوزيه أوغوستو دي كاسترو أن البرازيل ينتج 240 مليون طن، ولا يتم تصفية كافة المحصول دفعة واحدة، وإنما يتم تخزين جزء منه ليتم توزيعه على مدار العام. “وبهذا تتحول من عملية إنتاج إلى عملية لوجستية”، يؤكد جوزيه.
فعلاوة على حالة الازدحام في الموانئ الناتج عن وجود سفن عالقة فيها، بسبب رفض استقبالها من المشترين لقلة الطلب واستحالة إمكانية تخزين البضائع خارج الموانئ، هناك أيضاً الآثار السلبية التي من الممكن لفيروس الكورونا أن يسببها على اليد العاملة.
ففي يوم الأربعاء الحالي (18) هدد موظفو ميناء سانتوس بالإضراب عن العمل. ” ها قد ظهر عامل آخر ليزيد الوضع سوءاً ” يؤكد كاسترو. نفس الشيء يمكن أن يحدث في بلدان أخرى وذلك بسبب خوف موظفي الموانئ من عدوى المرض. يقول كاسترو ” يمكن كثيراً للطاقم المتواجد في عمق السفينة أن ينقل المرض لباقي الموظفين”.
بالإضافة إلى تضرر التجارة الخارجية من الناحية اللوجستية، فإنها أيضاً ستعاني من العواقب الصناعية، وذلك في حال قامت الشركات بخفض كمية انتاجها. ففي مطلع هذا الشهر صرحت الجمعية الوطنية لصناعة السيارات في البرازيل ” Associação Nacional dos Fabricantes de Veículos Automotores (Anfavea)” عن إمكانية خفض الإنتاج وذلك بسبب شح القطع ذات المنشأ الصيني. ” إنها مجموعة من العوامل” يؤكد رئيس AEB حول آثار الفيروس المتوقع وقوعها على التجارة الخارجية للبرازيل. “رغم أن الإنتاج البرازيلي لم يتأثر حتى الآن”. أكد كاسترو.
على الرغم من جميع التوقعات بأن التجارة الخارجية للمواد الغذائية ستكون أقل تأثراً بالأزمة من باقي المجالات، إلاً أن رئيس AEB)) يعتقد بأن عرض البضائع سيكون مضمون أكثر ضمن الأسواق المنتجة للمنتجات الزراعية. ” ستعاقب الأسواق التي تعاني من صعوبات، بعدم قدرة المورد على حل المشاكل اللوجستية لضمان وصول الشحنات إليها” أكد كاسترو. ولكنه يذكر أيضاً بأن البلدان المنتجة كالبرازيل يتحتم عليها أيضاً أن تقوم بالتصدير. حيث قال “يمتلك البرازيل كمية انتاج كبيرة، ويجب عليه التصدير للخارج، وذلك لأنه وعلى الرغم من زيادة الطلب الداخلي، فإنه يبقى لدينا فائض يجب بيعه”.
تعتمد أغلب الدول العربية وخاصة الخليجية منها على استيراد الأغذية، والبرازيل من أكبر مورديها في المنطقة. وفي الوقت الحالي تتحضر بعض الاقتصادات العربية للتأقلم مع عائدات أقل من البترول، الذي سجل في الأيام الأخيرة هبوطاً في الأسعار يقارب 50 %. يعزز كاسترو قائلاً ” ستتجه الدول العربية، جراء انخفاض أسعار البترول، نحو تقليل الطلب، وذلك بسبب الانخفاض الكبير في قيمة عوائد تصدير البترول”. وفي نفس المشهد فإنه من المتوقع أن يأتي خفض الطلب الاجمالي من قطاعات أخرى غير أساسية، وليس من القطاع الغذائي.
رغم أن كمية الأغذية التي سيتم تداول بيعها ستتغير بنسب أقل من المواد الأخرى، فإن إيرادات مبيعاتها ستنخفض حتماً عند البلدان المنتجة، ويأتي ذلك نتيجة الانخفاض في الأسعار الذي سببه نقص الطلب. وهذا يُنقص من كمية الأموال التي تدخل إلى البرازيل من صادرات الإنتاج الزراعي. والأسعار المتدنية للبضائع الأخرى لها أثرها على الميزان التجاري البرازيلي، بما أن البرازيل تستورد بعض أنواع البترول ومشتقاته، ولكنها بالمقابل تصدّر بضائع أخرى.
أكد كاسترو ” في الوقت الراهن ليس بوسعنا حصر كمية أي شيء، حيث نعيش الآن حالة تحول كبير. بالطبع سيكون هناك أثر كبير ولكن لا يوجد طريقة لتقديره”. فهو أكيد بأن 65 % من الصادرات البرازيلية هي عبارة عن سلع، ويذكر بأنه قد حصلت تغييرات في الأسعار والكميات المتداولة للنفط والخام والصويا. ” ذكرت فقط ثلاث منتجات للصادرات البرازيلية، لأريكم الأثر الذي سيطالها. لم تُظهر الإحصاءات مدى التأثيرات، وذلك لوجود تناقض بين الحقائق والاحصائيات، ولكن مما لا شك فيه أننا في البرازيل سنتعرض لآثار سلبية كبيرة”، يوكد.
يعتقد رئيس (AEB) بأنه مع مطلع شهر مارس ستبدأ الأرقام بإظهار الآثار السلبية لأزمة وباء كورونا على التجارة. في الأسبوعين الأولين من شهر مارس كانت قيمة الصادرات البرازيلية 8.6 مليار دولار أمريكي. انخفض المعدل اليومي للشحنات في الأسبوعين مجتمعين بنسبة 5.6 %، ولكن في الأسبوع الثاني معزولاً كانت النسبة أكبر بكثير، وصلت إلى 20 %. ومن حيث القيمة صدرت البرازيل قيم أقل من الخام وفول الصويا ونخالة الصويا والقهوة ولحوم الدجاج وآلات ومعدات تحريك التربة، والطائرات والإيثانول والصنابير وصمامات وقطع غيار وغيرها.
يتحدث كاسترو عن صعوبة تلبية طلبات السوق في الوقت الراهن نتيجة ازدحام الموانئ، وفي نفس الوقت تتطلع الشركات إلى التمكن من تسريع إرسال شحناتها. خوفنا هو أن يزداد هذا الحال سوءاً. “تسعى الشركات، قدر الإمكان، لإرسال كل ما بوسعها ارساله من البضائع، حتى تغتنم الفرصة”، يؤكد. تم نشر بعض المؤشرات التي تعكس تحسّن الوضع في الصين. قال رئيس (AEB): ” يجب الانتباه إلى أنه في حال صحة هذه المعلومات، يبدو بأن الصين ستبدأ بالتفكير بإعادة الأمور لمجراها الطبيعي”. لا يجب أن ننسى بأن الصين مسؤولة عن 20 % من التجارة العالمية.
يعتقد كاسترو بأنه سيسنح للبرازيل بعض الفرص خلال المشهد الحالي للتجارة الخارجية، ولكنها ستكون فرص مؤقتة من مستوردين يبحثون عن بدائل للعرض في بعض الحالات الخاصة. على الرغم من أنه يمتلك نظرته الخاصة حول الأضرار المحتمل أن يسببها هذا الوباء في التجارة الخارجية، إلاً أنه يعتقد بأنه من الصعب التكهن بأي شيء في الوقت الراهن. حيث قال: ” لدينا تكهّنات لِما يمكن أي يحدث، ولكن لا شيء مؤكّد، نعلم بأن ما سيحدث، وللأسف، ليس بالأمر الجيد. كل المؤشرات الاقتصادية انخفضت”.
*ترجمة معين رياض العيّا