رأس الخيمة – قديمًا و حتّى أربعينيات القرن الماضي، كان يتم صيد اللؤلؤ باعتباره كنزاً فريداً لا يمكن أن يتمّ إنتاجه سوى بشكلٍ طبيعي. و كان الغوص المحترِف للعثور عليه قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة يعدُّ حِرفةً لسنوات عديدة. لكن في يومنا هذا توجد مزرعة تنتج هذا الحجر الكريم بعمليّة زراعية تعتمد على ما يدعونه بالبذرة. هذه البذرة تزيد من فرصة العثور على الجوهرة إلى 60٪ عندما أخيراً يُفتح المحار. و هذه المزرعة هي لآلئ السويدي (بالانجليزية: Suwaidi Pearls)، الواقعة في إمارة رأس الخيمة.
يعدّ هذا المكان أيضاً من المزارات السياحية المهمّة. إذ تقدم المزرعة جولات لعرض إنتاج اللؤلؤ و التعرّف على تاريخ هذا النشاط الذي انتقل من العراقة إلى الحداثة. تبدأ الجولة في قرية الرمس و تحديداً من ميناء الصيادين الصغير، و حيث يمكن أيضاً للسياح المرور بمتجر المجوهرات الموجود في القرية و الذي يستخدم اللؤلؤ في تصاميمه.
تبدو المناظر الطبيعية في هذا المكان وكأنها لوحة فنيّة. ففي الخلفية، جبل الحجار، وبينه وبين البحر شديد الازرقاق، تنتصب أشجار القرم المميّزة؛ ممّا يتحف الناظر بمزيجِ ألوانٍ بديعٍ للغاية.
بهذه الخلفية المذهلة، تأسست لآلئ السويدي في عام 2004 من قبل الإماراتي عبد الله راشد السويدي. و هو ابن غواص يعدّ واحداً من أواخر الغواصين الذين كانوا يبحثون عن اللؤلؤ الطبيعي في البلاد، إن لم يكن آخرهم. عبد الله بدوره لا يزال يمارس الغوص كهوايةٍ فقط، بحثًا عن هذه الجواهر.
اللآلئ هي نتيجة لردّ فعل طبيعي للمحار (الكائن الرخوي الذي يعيش داخل أصدافه)، تجاه الغزاة الخارجيين كحبيبات الرمل أو الطفيليات. هذه التفاصيل وغيرها يرويها مُرشِد يرافق المجموعات السياحيّة من لحظة مغادرة الميناء حتّى الوصول إلى نقطة في وسط البحر، في هذه النقطة تماماً يتمّ جذب السياح من خلال رواية القصص و تقديم المعلومات. هناك أيضاً يشاهدون العوّامات التي تشير إلى وجود بعض المحار المزروع.
إنّ مشروع المزرعة هذا هو الأول من نوعه في المنطقة. يشرح المرشد: “اللؤلؤة هي الجوهرة الوحيدة التي لا يمكن تعديلها. اللمعان واللون والحجم كلهم طبيعيون، فاللؤلؤة تبقى على حالها تماماً كما تستخرجها من المحار”. ينطبق هذا المبدأ على كل من اللؤلؤ الطبيعي وعلى ذلك المُنتج هناك. لا شيء يمكن تعديله، باستثناء تعديل (في هذه الحالة، زيادة) احتمال العثور على اللآلئ.
زيارة للتّاريخ
يعرض أيضاً المرشد الأدوات التي كان يستخدمها الغواصون القدماء في نشاطهم هذا؛ معدات مثل الحجر والحبل، إضافةً إلى الأداة التي تسدّ الأنف، و التي كانت تُستخدم من قبل محترفيّ الغطس؛ لتُمكِّنهم من البقاء في العمق لفترة أطول.
من الواجب أن نذكر هنا بانّه على الرغم من أنه كان عملاً مهمًا في المنطقة لسنوات عديدة، إلا أن النشاط كان خطيرًا إلى حد كبير بالنسبة للغوّاصين. بالإضافة إلى الأدوات التي تكلّمنا عنها في الفقرة السابقة، كانت هناك أنواع مختلفة من القوارب المتخصصة في عبور البحر والبحث عن اللؤلؤ. لقد تم ترميم إحدى هذه السفن القديمة وهي واحدة من الأشياء التي يزورها السُيّاح في جولة لآلئ السويدي.
كما من الجدير أن نتحدّث عن قيمة اللؤلؤة التي تختلف وفقاً لنوعها؛ فقد تتراجح هذه القيمة بدءًا من حوالي 300 دولار وتزداد طرداً بشكل كبير، تبعاً لعدّة عوامل. إذ تؤثر الألوان، كثافة السطوع، الحجم والشكل على القيمة المعطاة لكلٍّ منها. علماً بأنّه يوجد في الخليج ثلاثة أنواع من المحار يمكن أن تنتج اللؤلؤ. فعلى سبيل المثال، يمكن لمحارة لؤلؤة الخليج التي تحمل الاسم العلمي: بنكتادا رادياتا (بالانجليزية:pinctada radiata)، و التي تعدّ من أكثر الأنواع شيوعًا في المنطقة، أن تنتج لآلئ من 14 نوعًا مختلفًا من الألوان.
زراعة الجواهر
إنّ فرصة إنتاج المحار للجوهرة هي فرصة نادرة في الطبيعة، لكن هناك في المزرعة يقفز هذا الاحتمال إلى ما يصل إلى 60٪. لتحقيق هذا الإنجاز، تستخدم المزرعة ما تسميه بالبذور، و هي عبارة عن كرات بيضاء صغيرة، قد تبدو للوهلة الأولى مثل اللؤلؤ، إلّا أنّها في الحقيقة تتكون من مزيج من العناصر الكيميائية التي تحث على إنتاج هذا الحجر الكريم.
يقول المرشد، أنّه كان من الضروري؛ لإدخال هذه البذور، القيام بإجراء إضافي وهو تنويم المحار. هذا النوع من التخدير يتم عن طريق وضع هذه الحيوانات في بيئة قابلة للسيطرة و مظلمة، الشيء الذي بدوره يدعو المحار للاسترخاء، ممّا يسمح بفتح الأصداف دون التسبب في مشاكل كبيرة، و بتحقيق هذا يتمّ زرع البذور في المحار.
تستغرق عملية الإنتاج حوالي عامين. و عندها فقط يمكن للمزارعين فتح المحار واكتشاف ما إذا كانوا قد خرجوا منتصرين من هذه الرحلة أم لا. كطريقة لتضمين السائحين في هذه المغامرة، يدعو المرشد أحدهم إلى “صيد” محارة في حوض مائي، ثمّ يشرح بعد فتح الصّدفة، التكوين الحيويّ المعقّد لهذا الكائن، مشيرًا إلى القلب والمعدة والمكان الذي يمكن أن تكون فيه اللؤلؤة.
يتعجّب السيّاح و ينبهرون لرؤية لؤلؤة صغيرة تقفز بحركة سريعة من هذا الكائن الرخوي العجيب المُنتج لها. و يسأل أحد الزوار عن احتماليّة إنتاج المحارة لأكثر من لؤلؤة واحدة، فيوضح المرشد أنه يمكن لنفس المحارة أن تكون مصدراً لأكثر من لؤلؤة؛ ولكن في حالة الزراعة، فلا يمكن لكل بذرة أن تنتج أكثر من جوهرة واحدة فقط. و لذا إن كان هنالك أُخرى، فلا بدّ من أنّها قد تشكّلت بشكل طبيعي و ليس بسبب العمليّة الزراعيّة.
على الرغم من أن الجولة لا تزال تحتوي على نقاط أخرى و عرض لمجموعة من اللآلئ والمجوهرات المصنوعة من الحجر الكريم، إلّا أنّ الإمساك بهذه اللؤلؤة الصّغيرة التي ما لبث السيّاح أن يرونها تقفز من المحار، هي تجربة كافية لإرضاء فضولهم و إذهالهم.
* سافرت الصحفيّة تاييس سوزا لكتابة هذه المادّة بدعوة من هيئة رأس الخيمة للتنمية السياحية.
ترجمته من البرتغالية: يارا عثمان